فصل: قال الشريف الرضي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} غاية لمحذوف. تقديره فعاش أو طالت حياته. حتى إذا بلغ أشده.
والأشد: القوة. وبلوغه استحكامه. وذلك يكون بكماله في القوة المادية والعقلية. وبلوغ الأربعين سنة قيل: هو وقت بلوغ الأشد. وذلك هو الوقت الذي يكتمل فيه الخلق. وتقوى متانته. و لذلك قيل: إنّه لم ينبأ نبيّ قبل الأربعين. وإن كان بعض العلماء على خلافه. مستدلا بما ورد في شأن عيسى ويحيى من مثل: {قال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ اتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)} [مريم: 30]. ومن مثل: {وَآتيناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12].
ويرى ابن العربي أنّه يجوز بعث الصبي. ولكنه لم يقع. وتأول الأدلة على أنّها إخبار عمّا سيكون. لا عمّا وقع بالفعل. قال: ومثله كثير في القرآن.
على أنّه لا مانع من أن تبقى الآيات على ظاهرها. ويكون ذلك على خلاف الغالب في الأنبياء.
{قال رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ}.
أوزعه بالشيء: أغراه به. فأوزع فهو موزع. أي مغرى إذا أغراه غيره. والمراد هنا حمله على سلوك سبيل الشكر والتوفيق إلى السير فيه.
والمراد بالنعمة التي أنعم اللّه بها عليه وعلى والديه. قيل: نعمة الدين. وقيل:
كلّ ما في الإنسان من نعمة {وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحًا تَرْضاهُ} [النمل: 19] معطوف على {أَنْ أَشْكُرَ} والعمل الصالح المرضي ما يكون سالما من غوائل عدم القبول {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} اجعل الصلاح يسير فيها. ويمشي خلالها. ويتفشّى فيها. ويرسخ. حتى يكون لها خلقا وطبعا. وأصلح: أصله يتعدى بنفسه. وإنما عدّي بالحرب (في) لإفادة الرسوخ والسريان {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ} من جميع الذنوب والاثام {وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أنفسهم إليك. المنقادين لك. الخاضعين لربوبيتك.
{أولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا}. هذا إشارة إلى الإنسان المذكور في قوله تعالى: {ووصَّيْنَا الإنسان} وجمعه باعتبار أفراده الذين تحقق فيهم ما ذكر من الأوصاف المذكورة. من معرفة حقوق الوالدين. والرجوع إلى اللّه بسؤال التوفيق للشكر. إلى آخر ما في الآية. وهو إيذان بأنّ هذه الأوصاف هي صفات الإنسانية الكاملة. من اتصف بها فهو الإنسان. وأصحابها هم الذين يكرمهم اللّه. فيتقبل عنهم ما قدموا من صالح العمل {وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ} فيعفو عنها. إذ هي تتلاشى بجانب الحسنات {إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} [هود: 114] {وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ} الذي وعدهم اللّه به في كتبه وعلى لسان أنبيائه. واللّه منجز ما وعد. اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة الأحقاف:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
{أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} (4) (ما) هاهنا في موضع جميع..
{أو أثارة مِنْ عِلْمٍ} (4) أي بقية وقال راعى الإبل:
وذات أثارة أكلت عليه ** نباتا في أكمّته قفارا

[837] أي بقية من شحم أكلت عليه.
ومن قال أثرة فهو مصدر أثره يأثره يذكره.
{قُلْ ما كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} (9) ما كنت أولهم معناها بدأ من الرسل قال الأحوص:
فخرت فانتمت فقلت انظرينى ** ليس جهل أتيته ببديع

[838].
{أَوْزِعْنِي} (15) ألهمنى. أصلها من وزعت أنا دفعته وأوزعنى أي ألهمنى.
{إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ} (21) أحقاف الرّمال قال العجّاج:
بات إلى أرطاة حقّف أحقفا

[839] وإنما حقفه اعوجاجه.
{أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ الِهَتِنا} (22) لتصرفنا عن الهتنا..
{عارِضٌ مُمْطِرُنا} (24) يريد ممطر لنا وعارض نكرة وممطرنا معرفة وإنما يجوز هذا في الفعل ولا يجوز في الأسماء في قول العرب. لا يجوز هذا رجل غلامنا والعارض السحاب الذي يرى في قطر من أقطار السماء من العشى ثم يصبح وقد حبا حتى استوى..
{أَولم يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ولم يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى} (33) مجازها قادر والعرب تؤكد الكلام بالباء وهى مستغنى عنها..
{لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ} (35) رفعه للاستئناف.. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن حم وهي السورة التي يذكر فيها الأحقاف:

.[سورة الأحقاف: آية 4].

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أو أثارة مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4)}.
قوله تعالى: {ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أو أثارة مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [4] وهذه استعارة على أحد التأويلات. وهو أن يكون معنى: أو أثارة مِنْ عِلْمٍ أي شيء يستخرج من العلم بالكشف والبحث. والطّلب والفحص. فتثور حقيقته. وتظهر خبيئته. كما تستثار الأرض بالمحافر. فيخرج نباتها. وتظهر نثائلها. أوكما يستثار القنيص من مجاثمه. ويستطلع من مكامنه.
وسائر التأويلات في الآية تخرج الكلام عن حيّز الاستعارة. مثل تأويلهم ذلك على معنى خاصة من علم. أي بقية من علم. وما يجرى هذا المجرى.
وأنشد أبو عبيدة للراعى في صفة ناقة:
وذات أثارة أكلت عليها ** نباتا في أكمته قفارا

أي ذات بقية من شحم رعت عليها هذا النبات المذكور.
وقوله قفارا أي خاليا من الناس. ليس به راعية غيرها. فهو أهنأ لها. وأرفق بها.
وقال صاحب (الغريب المصنف): يقال سمنت الناقة على أثارة. أي على سمن متقدم قد كان قبل ذلك. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الأحقاف:
سورة الأحقاف آخر سور ال حاميم. وقد تكرر افتتاح هذه السور بتوكيد نزول الكتاب الكريم من لدن رب العالمين. وعلى الناس كافة أن يستمعوا إليه استماع التلميذ لأستاذه وطالب الحكمة إلى من يبدلها له. كي يرشد ويرعوى. وبينت السورة في صدرها أن الله يبنى الخلايا في الأجسام الحية كما يدير الأفلاك في افاقها البعيدة لا يشغله شأن عن شأن. وأن لهذا العالم الذي نعيش فيه أجلا ينتهى عنده كما ننتهي نحن عند مجيء اجالنا. ثم. نبدأ حياة ثانية نحصد فيها ما غرسنا هنا {ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون}.
إنهم معرضون عن أمرين: عن السنن العلمية التي تضبط مادة العالم. وعن المصير الذي ينتظر الجميع ليحاسبوا على ما قدموا. ثم شرعت السورة في مناظرة بين الرسول والمشركين تتناول عقائدهم ومسالكهم. بدأت بذكر الهتهم وعجزها التام عن خلق شيء {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين}.
ولم يقل أحد إن اسيا من خلق الله وإفريقية من خلق رب آخر. ولم يقل أحد إن الشمس من خلق الله والقمر من خلق رب آخر. هذا لون ظاهر من السخف المرفوض! ودعاء غير الله ما وزنه؟ لوبلغ جوار المشركين عنان السماء ما رجعوا بشيء. إنهم يدعون أصفارا {ومن أضل ممن يدعومن دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون}.
ويرى المشركون أن القرآن من وضع محمد {أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم}.
إن محمدا عندما تلا كتابه على الناس دفعهم إلى توحيد الله والإخلاص له والتفانى في مرضاته وذكره بالغدو والاصال. فهل يعاقبه الله على ذلك؟ وكان إمامهم في العبودية والتوكل والصبر والأمل في الآخرة. فهل يلام على ذلك؟ وما قرأت كتابا منسوبا إلى السماء يحدوإلى ذي الجلال والإكرام ويورث إعظامه ومحبته مثل ما قرأت في هذا الكتاب الكريم. فهل ذلك ذنب محمد؟ إن القول بأن القرآن من وضع محمد يستحيل أن يصدر عن فكر سليم! وقد أصر على ذلك الجاهلون الماديون الذين ينكرون أن لله وحيا. وأن له رسلا. فبماذا أجيبوا؟ {قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين}. عندما شرع يشق طريق البلاغ. لم يكن يدرى ما نتيجة هذه المعركة بينه وبين أعداء الحقيقة. ولكنه صدع بأمر الله مستندا إليه أو يا إلى ركنه الشديد فانتصر بعد لأى. وظل حتى آخر رمق مسبحا بحمده مشيدا بمجده. حتى لحق بالرفيق الأعلى. فهل هذه حياة دعى يفترى على الله؟ ما يكون الصدق إذن؟ وليس لأهل مكة عذر في إنكار النبوات. فإن اليهود في المدينة يتبعون موسى كما يزعمون. وصالحواليهود استيقنوا من رسالة محمد. فلا مساغ لأنكار الوحى جملة. ولا لإنكاره على محمد خاصة {قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}. وفى عصرنا هذا جماهير تنكر نبوة محمد. وأغلبهم لا يؤمن بالله أصلا. فإصلاحهم يبدأ من تعليمهم أم الحقائق. أى من تعريفهم بالله الخالق تبارك اسمه. أما أهل الكتاب الأولون. فصلتهم بكتبهم غامضة. ويستحيل أن يوجد موحد صادق المعرفة لله يكره محمدا!! لم يكر رجلا يقول للناس {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون}؟ إنه يطلب من الناس الآيمان والاستقامة. ويؤمهم في هذا الطريق. فما عيبه؟ وعند عرض الدعوة على الناس يحدث أن تنقسم الأسر بين مؤمن وكافر فقد يهتدى اباء ويضل أبناء وقد يقع العكس. ليكن. فلا إكراه في الدين. وقد ينتظم الحق الأقرباء جميعا فتتم النعمة. وعندئذ يقول المرء {أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين}.
وقد يرفض و لد عاق أن يؤمن بالبعث والجزاء. ويأبى نصح والديه له. إنهما لن يغنيا عنه من الله شيئا.
{والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين}.
ويغلب أن تكون حياة الكافرين ملأى بالمتع عامرة بالشهوات مشحونة بالسهو واللهو. و لذلك قال الله فيهم: {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون}. وكان عمر يزهد في ملذات الحياة لهذه الآية. ذكر ابن عطية أن عمر حين دخل الشام. قدم إليه خالد بن الوليد طعاما طيبا. فقال! عمر: هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير؟ فقال خالد: لهم الجنة!! فبكى عمر وقال لئن كان حظنا في المقام. وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونا بعيدا..!! وكان عمر في إمارته متقشفا لا يزيد في طعامه عن فقراء المسلمين! ونحن نعلم أن الله لم يحزم على عباده الطيبات. ولكن يخشى على أهل السرف أن يصيروا أصحاب ترف فينسوا الحقوق والواجبات. كانت خصومة الوثنيين للإسلام عنيفة فلم يتركوا فرصة متاحة لمقاومته إلا استغلوها. وصابر المسلمون هذا العدوان. وكان القرآن يشد أزرهم ويقوى حجتهم ويسوق لهم من عبر التاريخ ما يطمئنهم على مستقبل الدعوة. مهما كان العدوعاتيا طاغيا.. وفى ذلك يقول الله لنبيه:{واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}. هل هو عذاب يوم القيامة؟ أو عذاب الاستئصال الذي نزل بساحتهم؟ الوعيد يحتمل الأمرين. وكانت عاد تسكن جنوب اليمن في الرمال الممتدة قرب (حضرموت) وسبقت الإشارة إلى ما امتازوا به من فراهة وبأس وطو ل. وقد سفهو ا نبيهم هودا ونبذوه. فعاقبهم الله بجفاف حرمهم المطر سنين. ولكن الأزمات لم تلن قناتهم ولم تكفكف شرهم. فقالوا لهود {قالوا أجئتنا لتأفكنا عن الهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين}.
فلم يبق إلا أن يأتيهم ما استعجلوه! ونظروا إلى الافاق فرأوا غيما مقبلا. فاستبشروا بالمطر الذي يرتقبونه من سنين! {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم}. لقد هلك الأحياء وبقيت البيوت خاوية موحشة..!! وعاد أقوى من قريش فهل تغالب القدر؟ ألا ترعوى؟ ولكن البشر يمنعهم من الآيمان أنهم أناموا عقولهم وغطوا عيونهم وأصموا اذانهم. فصاروا أضل من الحيوان الأعجم {ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون}. وقريش تسكن وسط الجزيرة العربية. وتمر بمدائن صالح المخربة. وبقرى قوم لوط التي جعل عاليها سافلها. وتعرف ما وقع لسبأ وقوم تبع. فهل أجدت عليهم أوثانهم؟ {بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون}. وبقدر ما كان عناد أهل مكة تكاثر ضرب الأمثال وسوق النذر. والقرآن مشحون بما يسرى الأحزان عن قلب أمير الأنبياء وبما يوفر للدعاة- إلى آخر الدهر- خطط الدفاع عن الحق. وإبقاء أشعته هادية!! ثم ذكرت سورة الأحقاف أنه إذا كان بعض الإنس لم يستجب للقرآن الكريم. فإن نفرا من الجن استمع إليه واهتدى به. أفلا يدفعهم ذلك إلى التأمل والتروى؟ والحديث عن الجن ذوشجون. فإن الخرافيين من الناس يهرعون إلى خيمة الغيبيات ليطلقوا العنان لأخيلتهم وينطلقوا مع عوجهم العقلى. إن القرآن يتحدث عن الشيطان فيقول: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}. فيجيء هؤلاء ليؤلفوا كتبا عن حياة الجن. وعن التزاوج بينهم وبين البشر! وعن أسلوب تسخيرهم. إلخ. وبقدر ما ينطلقون مع هذا اللغو. يقفون خرسا أمام الحق الذي خلقت به السموات والأرض. وشمل الذرة والمجرة. فلا يكتشفون له قانونا ولا يفيدون منه شيئا. وهل نهض الغرب إلا بدراسة هذا الحق الذي قامت به السموات والأرض؟
لندع ذلك إلى أوانه. و لننظر إلى ما حكاه الكتاب الكريم عن الجن ليسمعه المكذبون من أغبياء الشرك: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين} غيرهم من أبناء آدم قال: {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون}. أما هؤلاء فقد وعوا ما قيل ثم رجعوا إلى قومهم منذرين...! ونلحظ أنهم قالوا: {إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى}. وذلك لعلمهم أن الأنجيل ملحق بالتوراة ومؤيد لأحكامها ومخفف لبعض شدتها.
أما القرآن فكتاب مستقل طوى التوراة والأنجيل معا في معانيه. وأنشأ شريعة مهيمنة على ما سبقها من وحى {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم}. ومضى السياق يعرض! بقريش ويستخرجها من ظلماتها ويهددها بالبعث والجزاء. {أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير}. إن عادا أقوى من قريش والجن أقوى من القبيلين. فهل يكفكف ذلك من كبرياء الكفر عند البشر؟ وتنتهي سورة الأحقاف بآية تطلب من محمد أن يتأسى بأولى العزم من الرسل وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى. فإنهم عانوا من أقوامهم مثل ما يعانى من قومه وبقوا صامدين حتى حكم القدر في مصايرهم {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم}.